فصل: غزوة السويق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 ما قيل من الشعر في بدر

حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه‏:‏

وما ذاك إلا قوماً أفادهم ** فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر

عشية راحوا نحو بدر جميعهم ** فكانوا رهوناً للركية من بدر

وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ** فساروا إلينا فالتقينا على قدر

فلما التقينا لم تكن مثنوية لنا ** غير طعن بالمثقفة السمر

وضرب بيض يجتلي الهام حدها ** مشهرة الألوان بينة الأثر

ونحن تركنا عتبة ألغى ثاوياً ** وشيبة في قتل تجرجم في الجفر

وعمر وثوى فيمن ثوى من حماتهم ** فشقت جيوب النائحات على عمرو

جيوب نساء من لؤي بن غالب ** كرام تفر عن الذوائب من فهر

أولئك قوم قتلوا في صلابهم ** وخلوا لواء غير محتضر النصر

لواء ضلال قاد إبليس أهله ** فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر

وقال لهم إذ عاين الأمر واضحاً ** برئت إليكم ما بي اليوم من صبر

فإني أرى ما لا ترون وأنني ** أخاف عقاب الله والله ذو قسر

فشد بهم جبريل تحت لوائنا ** لدى مازق فيه مناياهم تجري

في أبيات

فاد الرجل فيداً وفوداً مات وأفاده الله‏.‏

والجفر البئر غير المطوية‏.‏والمسدمة من قولهم فحل سدم إذا كان هائجاً‏.‏

والمازق موضع الحرب‏.‏

ومن الناس من ينكرها لحمزة‏.‏

فأجابه الحارث بن هشام المخزومي‏:‏

ألا يا لقوم للصبابة والهجر ** وللحزن مني وللحزازة في الصدر

وللدمع من عيني جوداً كأنه ** فريد هوى من سلك ناظمه يجري

على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى ** رهين مقام للركية من بدر

فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة ** ومن ذي ندام كان من خلق غمر

فإن يك قوم صادفوا منك دولة ** ولابد للأيام من دول الدهر

فقد كنت في صرف الزمان الذي ** مضى تريهم هواناً منك ذا سبل وعر

ومما يعزى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في أبيات‏:‏

ألم تر أن الله أبلى رسوله بلاء ** عزيز ذي اقتدار وذي فضل

بما أنزل الكفار دار مذلة ** فلاقوا هواناً من إسار ومن قتل

تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا ** كرام المساعي من غلام ومن كهل

مصاليت بيض من ذؤابة غالب ** مطاعين في الهيجاء مطاعيم في المحل

أصيبوا كراماً لم يبيعوا عشيرة ** بقوم سواهم نازحي الدار والأهل

كما أصبحت غسان فيكم بطانة ** لكم بدلاً منا فيالك من فعل

عقوقاً وإثماً بيناً وقطيعة يرى ** جوركم فيها ذو الرأي والعقل

فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم ** وخير المنايا ما يكون من القتل

فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم ** لكم كائن خبلاً مقيماً على خبل

في أبيات ذكرها‏.‏

وقال ضرار بن الخطاب الفهري‏:‏

عجبت لفخر الأوس والحين دائر ** عليهم غداً والدهر فيه بصائر

وفخر بني النجار إن كان معشر ** ببدر أصيبوا كلهم ثم صائر

فإن تك قتلى غودرت من رجالنا ** ببدر فإنا بعدهم سنغادر

وتردى بنا الجرد العناجيج وسطكم ** بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر

وذلك أنا لا نزال سيوفنا ** بهن دم مما يحاربن مائر

فإن تظفروا في يوم بدر فإنما ** بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر

وبالنفر والأخيار هم أولياؤه ** يحامون في اللأواء والموت حاضر

يعد أبو بكر وحمزة فيهم ** ويدعى على وسط من أنت ذاكر

أولئك لا من نتجت من ديارها ** بنو الأوس والنجار حين تفاخروا

ولكن أبوهم من لؤي بن غالب ** إذا عدت الأنساب كعب وعامر

هم الطاعنون الخيل في كل معرك ** غداة الهياج الأطيبون الأكابر

العناجيج جياد الخيل واحدها عنجوج‏.‏

ومائر متردد‏.‏

ومما قاله حسان بن ثابت الأنصاري‏:‏

بلوت فؤادك في المقام خريدة ** تشفي الضجيج ببارد بسام

كالمسك تخلطه بماء سحابة ** أو عاتق كدم الذبيح مدام

أما النهار فلا أفتر ذكرها ** والليل توزعني بها أحلامي

أقسمت أنساها وأترك ذكرها ** حتى تغيب في الضريح عظامي

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ** ونجا برأس طمرة ولجام

في أبيات يعير الحارث بن هشام بالفرار وكان لحرث يقول‏:‏

الله يعلم ما تركت قتالهم ** حتى رموا فرسي بأشقر مزبد

وعلمت أني إن أقاتل واحداً ** أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

فصددت عنهم والأحبة فيهم ** طمعاً لهم بلقاء يوم مفسد

وكان الأصمعي يقول‏:‏

هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار، وكان خلف الأحمر يقول أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزومي‏:‏

لعمرك ما وليت ظهري محمداً ** وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل

ولكنني قبلت أمري فلم أجد ** لسيفي مساغاً إن ضربت ولا نبلي

وقفت فلما خفت ضيعة موقفي ** رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل

وإن تقاربا لفظاً ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الأول لأنه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل وإنما علل فراره بدم إفادة وقوفه فقط وذلك في الأول جزء علة والجزء الآخر قوله أقتل وقوله رموا فرسي بأشقر مزبد يعني الدم ويحتمل أن يكون ذلك مقيداً بكون مشهده لا يضر عدوه ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظاً

ومما قاله حسان‏:‏

بأنا حين نستجر العوالي ** حماة الحرب يوم أبي الوليد

قتلنا ابني ربيعة يوم ساروا ** إلينا في مضاعفة الحديد

وقربها حكيم يوم جالت ** بنو النجار تخطر كالأسود

وولت عند ذاك جموع فهر ** وأسلمها الحويرث من بعيد

وقالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث‏:‏

يا راكباً إن الأثيل مظنة ** من صبح خامسه وأنت موفق

أبلغ بها ميتاً بأن تحية ** ما تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة ** جادت بواكفها وأخرى تخنق

هلى يسمعن النضر إن ناديته ** أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمد يا خير ضنىء كريمة ** في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما ** منَّ الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فدية فلننفقن ** يا عز ما يغلو به ما ينفقفيقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه‏.‏

وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب رمضان أوائل شوال‏.‏

فصل

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله فلما أوقع الله بالمشركين يوم بدر واستأصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فلنقتلهم بمن قتل منا ببدر‏.‏

قال أخبرنا عبد الله بن محمد فثنا محمد بن بكر فثنا أبو داود فثنا ابن السرج فثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال بلغني أن مخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب‏.‏

قلت وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام والثاني في تزويجه عليه السلام أم حبيبة وقيل في شهر ربيع الأول منها وقيل في سنة ست حكاه أبو عمر عن الواقدي‏.‏وأما عمر بن أمية فشهد بدراً وأحداً مع المشركين وأسلم بعد ذلك وكان أول مشهد شهده بئر معونة فأسرته بنو عامر يومئذ فقال له عامر بن الطفيل أنه كان على أمي نسمة فاذهب فأنت حر عنها وجز ناصيته وبعثه أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة وسيأتي ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وهذا الفصل ذكره أبو عمر في هذا الموضع من كتابه في المغازي وفيه نظر‏.‏

 سرية عمير بن عدي

روينا عن ابن سعد قال ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الخطمي إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد لخمس ليال بقين من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخطمي وكانت تعيب الإسلام وتؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتحرض عليه وتقول الشعر فجاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فجسها بيده وكان ضرير البصر ونحى الصبي عنها ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان قال نعم فهل علي في ذلك من شيء فقال ‏"‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏"‏ فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم عميراً البصير قيل وكان أول من أسلم من خطمة عمير بن عدي وكان يدعى القارئ كان إمام قومه وقارئهم‏.‏

 سرية سالم بن عمير

روينا عن ابن سعد قال ثم سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخاً كبيراً قد بلغ عشرين ومائة سنة وكان يهودياً وكان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الشعر فقال سالم بن عمير وهو أحد البكائين وممن شهد بدراً علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه فأمهل يطلب له غرة حتى كانت ليلة صائفة فنام أبو عفك بالفناء وسمع به سالم بن عمير فأقبل فوضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب إليه ناس ممن هو على قوله فأدخلوه منزله وقبروه‏.‏

فقالت أمامة المريدية في ذلك‏:‏ تكذب دين الله والمرء أحمدا لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني البيتان عن ابن سعد‏.‏

وكان أبو عفك ممن نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرث بن سويد بن الصامت وشهد سالم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان وقال فيه موسى بن عقبة سالم بن عبد الله‏.‏

 غزوة بني سليم

قال ابن اسحق فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم‏.‏

قال ابن هشام واستعمل على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم‏.‏

قال ابن اسحق فبلغ ماء من مياههم يقال لها الكدر فأقام عليها ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً‏.‏

 غزوة بني قينقاع

قال ابن سعد وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجره‏.‏

قال ابن اسحق وكان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة أما والله لو حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة عن ابن عباس قال ما نزل هؤلاء الآيات إلى فيهم ‏"‏ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا - أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش - فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرنوهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار ‏"‏ قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه‏.‏قال ابن هشام وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمين فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع وتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشبث به عبد الله بن أبي فيما روينا عن ابن اسحق عن أبيه عن عباد بن الوليد بن عباد ابن الصامت قال وفيه وفي عبد الله نزلت ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ فإن حزب الله هم الغالبون ‏"‏ وروينا عن ابن سعد قال وكانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة فوادعوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد والمدة فأنزل الله تعالى ‏"‏ وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أخاف من بني قينقاع فسار إليهم ولواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض ولم تكن الرايات يومئذ واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة وكانوا أول من غدر من اليهود وحاربوا وتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم وأن لهم النساء والذرية فأنزلهم فكتفوا واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي فكلم ابن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه فقال حلوهم لعنهم الله ولعنه معهم وتركهم من القتل وأمر أن يجلوا من المدينة وتولى ذلك عبادة بن الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان أقل بقاءهم بها وذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم وسيأتي ذكرنا له وخمست أموالهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية الخمس وفض أربعة أخماس على أصحابه‏.‏

فكان أول ما خمس بعد بدر‏.‏

وكان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة‏.‏

انتهى ما وجدته عن ابن سعد‏.‏

كذا وقع صفية الخمس والمعروف أن الصفي غير الخمس‏.‏

روينا عن الشعبي من طريق أبي داود قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي قبل الخمس‏.‏

وعن عائشة كانت صفية رضي الله عنها من الصفي فلا أدري أسقطت الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي والله أعلم‏.‏

وكانوا أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع وكانوا حلفاء الخزرج‏.‏

 غزوة السويق

روينا عن محمد بن اسحق قال ثم غزا أبو سفيان بن حرب في ذي الحجة غزوة السويق‏.‏

وذكر ابن سعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس خلون من ذي الحجة يوم الأحد على رأس اثنين وعشرين شهراً من مهاجره‏.‏

رجع إلى ابن اسحق قال وكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان من أعلم الأنصار أن أبا سفيان حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمد صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له نيب من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالاً من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً لهم في حرثهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم في مائتين من المهاجرين والأنصار‏.‏

وهذا العدد عن ابن سعد‏.‏

واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر فيما قال ابن هشام حتى بلغ قرقرة الكدر قال ابن سعد وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب وكان أصحابه مائتين كما قدمنا وقيل كانوا أربعين فيلقون جرب السويق وهي عامة أزوادهم فيأخذها المسلمون فسميت غزوة السويق ولم يلحقوهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة وكان غاب خمسة أيام قال ابن اسحق وقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة قال نعم‏.‏

 غزوة قرقرة الكدر

قال ابن سعد ويقال قرارة الكدر للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهراً من مهاجره وهي بناحية معدن بن سليم قريب من الأرحضية وراء سد معونة وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد‏.‏

وكان الذي حمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب‏.‏

واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكان بلغه أن بهذا الموضع جمعاً من بني سليم وغطفان فسار إليهم فلم يجد في المحال أحداً وأرسل نفراً من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي فوجد رعاة منهم غلام يقال له يسار فسأله عن الناس فقال لا علم لي بهم إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي والناس قد ارتفعوا في المياه ونحن عزاب في الغنم فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بالنعم فانحدر به إلى المدينة واقتسموا غنائمهم بصرار على ثلاثة أميال من المدينة وكانت النعم خمسمائة بعير فأخرج خمسة وقسم أربعة أخماسه على المسلمين فأصاب كل رجل منهم بعيرين وكانوا مائتي رجل وصار يسار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وذلك أنه رآه يصلي وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة‏.‏

والقرقرة أرض ملساء والكدر طير في ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع‏.‏

وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة‏.‏

 سرية كعب بن الأشراف

روينا عن ابن سعد أنها كانت لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجره عليه السلام‏.‏

قال ابن اسحق وكان من حديث كعب بن الأشراف أنه لما أصيب أصحاب القليب يوم بدر وقدم زيد ابن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بالفتح قال كعب وكان رجلاً من طيء ثم أحد بني نبهان وكانت أمه من بني النضير أحق هذا أترون أن محمداً قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها‏.‏

فلما أيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي على أصحاب القليب ثم رجع إلى المدينة فتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم‏.‏

وروينا من طريق ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويمتدح عدوهم ويحرضهم عليهم فلم يرض بذلك حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو سفيان والمشركون أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه وأي دينينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق فقال أنتم أهدى منهم سبيلاً وأفضل وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لنا من ابن الأشرف فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا وقد أخبرني الله عز وجل بذلك ثم قدم أخبث ما كان ينتظر قريشاً تقدم عليه فيقاتلنا ثم قرأ على المسلمين ما أنزل الله تعالى عليه فيه ‏"‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ‏"‏ الآية وخمس آيات فيه وفي قريش‏.‏

رجع إلى ابن اسحق‏:‏ فقال كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة من لي من ابن الأشرف فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك‏.‏

فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفين لك به أم لا قال إنما عليك الجهد قال يا رسول الله إنه لابد لنا من أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وكان أخاً لكعب من الرضاعة وعباد بن بشر ابن وقش أحد بني عبد الأشهل والحرث بن أوس بن معاذ وأبو عبس بن جبر‏.‏

قلت وهؤلاء الخمسة من الأوس ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعراً وكان أبو نائلة سلكان يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان إن أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك قال أترهنوني أبناءكم قال لقد أردت أن تفضحنا إن معي أصحاباً على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها قال إن في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن هشام ويقال قال أترهنوني نساءكم قالو كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم‏!‏ قال أترهنوني أبناءكم‏.‏

قال ابن اسحق فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفة فأخذت امرأته بناحيتها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال إنه أبو نائلة لو وجدني نائماً ما أيقظني فقالت إني لأعرف في صوته الشرقال يقول لها كعب لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه وقالوا هل لك يا ابن الأشرف أن تمشي معنا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا فقال إن شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم إن أبا نائلة شام يده فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيباً أعطر ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغني شيئاً قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه ناراً قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحرث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه وفي رجله أصابه بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بمقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه‏.‏

انتهى خبر ابن اسحق وقال عباد بن بشر في ذلك شعراً‏:‏ صرخت به فلم يعرض لصوتي وأوفى طالعاً من رأس جدر قعدت له فقال من المنادي فقلت أخوك عباد بن بشر وهذي درعنا رهناً فخذها لشهر إن وفى أو نصف شهر فقال معاشر سغبوا وجاعوا وما عدموا الغنى من غير فقر فأقبل نحونا يهوي سريعاً وقال لنا لقد جئتم لأمر وفي أيماننا بيض حداد مجربة بها الكفار نفري فعانقه ابن مسلمة المردى به الكفار كالليث الهزبر وشد بسيفه صلتاً عليه فقطره أبو عبس بن جبر وجاء برأسه نفر كرام هم ناهيك من صدق وبر واستشهد عباد بن بشر يوم اليمامة وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال وممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وقتل يوم اليمامة شهيداً وكان له يومئذ بلاء وعناء فاستشهد وهو ابن خمس وأربعين سنة‏.‏

 خبر محيصة بن مسعود مع ابن سنينة

قال ابن اسحق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة - ويقال ابن سبينة عن ابن هشام رجل من تجار يهود وكان يلابسهم ويبايعهم - فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله قال محيصة فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال فوالله إن كان لأول إسلام حويصة قال أي والله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني قال قلت نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها قال والله إن ديناً يبلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة‏.‏

قال ابن اسحق حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها فقال محيصة في ذلك‏:‏ حسام كلون الملح أخلص صقله متى ما أصوبه فليس بكاذب وما سرني أني قتلتك طائعاً وأن لنا ما بين بصرى ومأرب وقيل إن الذي قتله محيصة وقال له أخوه حويصة في حقه ما قال وراجعه بما ذكرنا كعب بن يهوداً‏.‏

وروينا عن ابن سعد قال أنا محمد بن حميد العبدي عن معمر ابن راشد عن الزهري في قوله ‏"‏ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً ‏"‏ قال هو كعب بن الأشرف‏.‏

 فوائد تتعلق بهذا الخبر

مما نقلته من الحواشي التي ذكرتها بخط جدي رحمه الله على قوله ما تعلق به نفسه قال هو مأخوذ من العلقة والعلقة والعلاق بلغة من الطعام إلى وقت الغداء ومعناه ما يمسك رمقه من الغداء ومنه ليس المتعلق كالمتأنق‏.‏

وعلى قوله أنه لابد لنا من أن نقول‏:‏ قال المبرد في الكامل حقه أن يقول نتقول يريد افتعل قولاً اختال به قال وفي العين قولته ما لم يقل‏.‏

وقولته ادعيته عليه‏.‏

وعلى قوله نرهنك من الحلقة قال هذا هو المعروف يعني سكون اللام وحكى سيبويه عن أبي عمرو أنهم كانوا حلقة بفتح اللام‏.‏

وعلى قوله بقيع الغرقد قال الأصمعي قطعت غرقدات فدفن فيها عثمان بن مظعون فسمي المكان بقيع الغرقد لهذا السبب‏.‏

وعلى قوله شام يده في فوده أي أدخل يده والفود الشعر مما يلي الأذن‏.‏

وشمت السيف إذا أغمدته وهو من الأضداد قال والمغول سيف قصير يشتمل عليه الرجل‏.‏

والثنة بين السرة والعانة‏.‏

وعلى قول ابن هشام ابن سبينة وقال الأستاذ أبو علي يعني شيخه عمر بن محمد الأزدي ولم يذكره أصحاب الحديث يعني سبينة‏.‏

وعلى قوله لطبقت ذفراه طبق أصاب المفصل والذفرى في القفا‏.‏

وأبو عبس بن جبر اسمه عبد الرحمن‏.‏

وسلكان اسمه سعد‏.‏